ماذا يحدث في أسواق العملات الرقمية حالياً؟

ماذا يحدث في أسواق العملات الرقمية حالياً؟

السوق الهابطة صعبة للغاية؛ ونحن نتكلم من وحي التجربة، حيث أن هذه هي الثالثة في مسيرتنا. قد يتساءل بعضكم: هل دورة السوق هذه مختلفة؟ هل سوق العملات الرقمية انهار للأبد؟ الإجابة المختصرة للسؤالين هي: لا!

15 يونيو, 2022
طلال الطبّاع ودينا سمعان
طلال الطبّاع ودينا سمعان
الكاتب

السوق الهابطة صعبة للغاية؛ ونحن نتكلم من وحي التجربة، حيث أن هذه هي الثالثة في مسيرتنا.

لعلكم قد تستغربون إذا قلنا لكم أن الأمور  الآن طبيعية جداً بالنسبة للعملات الرقمية، حيث أن ما نشهده حالياً هو جزء اعتيادي من دورة السوق التي تتعاقب كل ٤ سنوات. ونحن متأكدون أن بعضكم الآن يتساءل خائفاً: هل دورة السوق هذه مختلفة؟ هل سوق العملات الرقمية انهار للأبد؟ الإجابة المختصرة للسؤالين هي: لا! ولكن في حقيقة الأمر، هذه الدورة السوقية فعلاً تختلف قليلاً عن سابقاتها.

لتوضيح الأمور، دعونا نتذكر حال السوق قبل ٦ أشهر بالضبط، عندما كانت الأصول جميعها في أوّج ارتفاعاتها السعرية غير المسبوقة، والبيتكوين وصلت أعلى مستوياتها عند ٦٩ ألف دولار. المفارقة هو أنه آنذاك، كان الجميع يتمنون لو أنهم اشتروا العملات الرقمية عندما كان سعرها أقل. أما الآن بعد أن انخفض السوق لمستويات سعرية منطقية للشراء، تجدهم جميعهم أصبحوا خائفين من الاستثمار! لكي نكون صادقين معكم، هذا الخوف مبرر نظراً لوضع السوق الحالي؛ فالأسواق هي انعكاس لحالة المستثمرين فيها. فنحن البشر، عادةً ما تكون قراراتنا مدفوعة بعواطفنا أكثر من تفكيرنا المنطقي والعقلاني. وعندما تكون السوق صاعدة، يسيطر الطمع والجشع. بينما عند هبوط السوق، يسيطر الخوف علينا. لطالما كان الحال هكذا وسيستمر في أن يكون كذلك. 

ولكي نفهم الحالة الراهنة لكافة الأسواق العالمية، ومن ضمنها سوق العملات الرقمية، اسمحوا لنا أولاً شرح ظروف الاقتصاد الكلي وتأثيرها التدريجي الذي أوصلنا إلى الحالة التي نشهدها في يومنا هذا. 

حقبة الأموال الزهيدة

كاستجابة لجائحة كورونا التي شلّت العالم أجمع، بدأت البنوك المركزية حول العالم بزيادة المعروض النقدي من عملاتها بمعدل غير مسبوق. حيث زاد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المعروض النقدي لخمسة أضعاف الموجود (أي من حوالي ٤ تريليون إلى ٢٠ تريليون تقريباً) وأبقى أسعار الفائدة قريبة من الصفر. حذت المنطقة الاقتصادية الأوروبية حذوه، حيث زادت المعروض النقدي لليورو من ٩ تريليون يورو إلى ١١.٥ تريليون يورو، وقامت بذلك أيضاً المملكة المتحدة واليابان وإندونيسيا ومجموعة واسعة من الحكومات في جميع أنحاء العالم.

أدى ضخ المزيد من الأموال في السوق إلى صعود تاريخي للسوق، حيث ارتفعت أسعار الأصول في كافة الأسواق إلى مستويات قياسية، خاصةً تلك التي تنتطوي على "مخاطرة عالية". لاسيما أن وفرة الأموال عادةً ما تشجع المستثمرين على الدخول في الاستثمارات عالية المخاطر وطويلة الأجل، مثل أسهم تيسلا TSLA، وأسهم غيمستوب GME، وبالطبع العملات الرقمية مثل البيتكوين وغيرها. عندما يحدث هذا، تعمل هذه الأصول كـ "مخزن للتضخم" يتجمع فيه فائض رأس المال. لقد ساعد رأس المال الفائض عن الحاجة في دفع سوق الأسهم الأمريكية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي في حالة جمود تام، حيث كُنا جميعاً حبيسي بيوتنا في فترة الإغلاقات والحجر الصحي التي شلّت سوق العمل وحدّت التنقل.

ونظراً لأن المعروض النقدي الفائض عن الحاجة قد شق طريقه من أوسع الأبواب إلى الأسواق، فقد شهدنا زيادة حادة في مؤشر أسعار المستهلك، وهو المؤشر الأكثر شيوعاً لقياس التضخم. وصل مؤشر أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى له في ٤٠ عاماً عند ٨.٦٪، وهو رقم مخيف لاسيما وأن هذا المؤشر ينتقده الكثيرون لأنه يقلل من النسبة الحقيقية للتضخم. نتيجة لارتفاع الأسعار، كان على الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ إجراءات؛ فأعلن أنه سيعكس المسار وسيقوم بتنفيذ إجراءات التشديد الكمي، بالإضافة إلى رفع معدل التمويل الفيدرالي تدريجياً. بينما لم يتم تنفيذها بين عشية وضحاها، بدأ الإعلان عن هذه التدابير المتدرجة يلقي بظلاله على الاقتصاد الذي لا يزال يعاني من مشاكل انقطاع سلاسل التوريد، وبدأ "مخزن التضخم" في التلاشي شيئاً فشيئاً. وقد تفاقم هذا بسبب الحرب في أوروبا الشرقية والمخاطر الجيوسياسية التي هددت بها بقية دول العالم.

وبعد أن انقضت حقبة الأموال الزهيدة، انتهت معها حقبة العائدات والأرباح المذهلة للأصول "عالية المخاطر". وبينما يعتبر الجميع البيتكوين على أنها وسيلة للتحوط ضد التضخم، إلا أنها لا تزال تعتبر "عالية المخاطر" وبالتالي تأثرت بكل ما حدث، شأنها شأن ناسداك (أسهم التكنولوجيا والنمو). وفي حين أن الأصول التي يمكن اعتبارها وسيلة تحوط ضد التضخم تتأثر بالعوامل النفسية (على سبيل المثال: الذهب)، فمن المنطقي القول بأن الطريق أمام البيتكوين لا يزال طويلاً لكي تتخطى هذا التأثر الذي جعلها -كما شهدنا- مرتبطة بالأسواق التقليدية ولاسيما أسهم التكنولوجيا.

يسهل التنبؤ بأداء هذه الأصول في ظل الفترات التي يسود فيها عدم اليقين بظروف الاقتصادي الكلي مصحوباً بارتفاع معدلات التضخم, ففي معركة الأولويات بين الطعام والماء والوقود مقابل أسهم تيسلا والبيتكوين والإيثر، سيفوز الطعام في كل مرة. هذا هو السبب في أننا نصف هذه الأصول بأنها "مخزن للتضخم"، لأنها تخزن الإمكانات التضخمية للاقتصاد وتطلق العنان لذلك التضخم عندما تتغير الظروف التي تدعمها.

ي حين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان ينوي في البداية الحد من التضخم، إلا أن الإجراءات التي اتخذها تسببت بشكل غير مباشر في انكماش هذه الأصول في الاقتصاد التقليدي، مما أدى إلى تفاقم التضخم. هذه هي نفس الظاهرة التي شوهدت خلال حقبة التضخم المصحوب بالركود في السبعينيات في الولايات المتحدة، وعصر التضخم المفرط الذي أعقب الحرب العالمية الأولى لجمهورية فايمار.

تداعيات الوضع على البيتكوين

الآن بعد أن وضّحنا خلفية الاقتصاد الكلي، يمكننا التعمق في ما يحدث في سوق العملات الرقمية، وبشكل أكثر تحديداً، مع البيتكوين. تمثل قيمة البيتكوين ما يقارب من ٥٠٪ من إجمالي القيمة السوقية للعملات الرقمية وهي تعتبر مؤشر على صحة سوق العملات الرقمية بشكل عام.

هذه هي الدورة السوقية الرابعة لعملة البيتكوين. ففي عام ٢٠١٢، انخفضت الأسعار بنحو ٩٠٪، ثم انخفضت في عامي ٢٠١٥ و٢٠١٩ بما يزيد عن ٨٠٪. أما في هذه الدورة، نحن حالياً نشهد تراجعاً بنسبة ٧٠٪ عن أعلى سعر لها على الإطلاق. ومع ذلك، فعند ملاحظة الخط الأسود على الرسم البياني، سنجد أن سعر البيتكوين لا يزال يتجه صعودياً بشكل واضح.

Bitcoin Graph 1

على مر التاريخ، لقد مثّلت التراجعات في الأسعار هذه فرص شرائية عظيمة. بناءً على البيانات، فإن هذه الحالة الطبيعية لعملة البيتكوين. على الرغم من أن هذه الحقيقة لا تهوّن هذه الانخفاضات علينا، إلا أنها تمنحنا بعض الوقت لتقييم حالة السوق بشكل عقلاني وبدون عواطف. إذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهدون فيها سوقاً هابطة، فقد أصبحتم تدركون الآن مدى صعوبة الاحتفاظ والتمسك بالعملات الرقمية. ولا تنسوا أنه لو كان الأمر بهذه البساطة، فستجد الجميع يقومون بذلك.

هذه الدورة السوقية مختلفة؛ أو هل هي كذلك؟

الجواب هو نعم ولا في نفس الوقت. ففي حين أن مستويات الاعتماد وتطور بيئة القطاع يجعلنا متفائلين، فمن الجيد أن نتذكر أن البيتكوين قد أُنشئت خلال آخر ركود اقتصادي عالمي ولم تشهد غيره منذ ذاك الحين. ومع ذلك، عند المقارنة مع أداء أسهم الشركات الكبيرة، سنرى أن الأشهر الستة الماضية قد شهدت خسارة كبيرة لأسهم وول ستريت المفضلة: حيث خسرت شوبيفاي ٧٥٪ من قيمتها، وانخفض سهم نيتفلكس بأكثر من ٧٠٪، وهبط سهم ميتا (فيسبوك) بنسبة ٥٠٪، وتراجع سهما تيسلا وأمازون بنسبة ٤٠٪… والقائمة تطول. ومع ذلك، خلال كل هذه الانخفاضات، تظل البيتكوين هي الأفضل أداءً في العالم منذ جائحة كورونا حيث ارتفعت بأكثر من ٣٠٠٪.

Bitcoin Graph 3

إلى أين سنذهب من هنا؟

سننهي هذه الرسالة بنشر بعض الأمل والتفاؤل وسنستعرض وإياكم سياق القيمة الأكبر للعملة الأولى. البيتكوين عبارة عن تقنية ثورية وشبكة نقدية تنمو بشكل كبير وجاءت لتغيير العالم. خلال دورة حياتها، تمر جميع التقنيات الثورية مثل الإنترنت والهواتف الذكية في خلال منحنى تبني على شكل حرف S، لتصل بعد ذلك إلى مرحلة النمو الرئيسية بعد تجاوزها عتبة ١٠٪ من المستخدمين تقريباً. ووفقاً إلى تقرير حديث للسوق أجرته شركتا بلوك وير سولوشنز وآرك إنفست، تشير التقديرات إلى أن أقل من ١٪ من سكان العالم فقط يستخدمون شبكة البيتكوين النقدية الآن. إذا قمنا بتمثيل ذلك على الرسم البياني لمنحنى S لتبني التكنولوجيا، فسيبدو منحنى تبني البيتكوين كما يلي:

Bitcoin Graph 2

كما ترون في الرسم البياني، لا تزال البيتكوين في المراحل المبكرة من الاعتماد. كما لم تتغير الأساسيات ولا القيمة التي تطرحها البيتكوين. اسألوا أنفسكم، هل تتوقعون أن يتم استخدام الأموال الرقمية مثل البيتكوين والعملات الرقمية على نطاق اوسع في المستقبل؟ إذا بدأنا في استبدال الورق، وهي تقنية مستخدمة منذ آلاف السنين، ألن يكون من المعقول بل ومن المنطقي جداً الافتراض بأننا نستطيع التخلي عن شيء سائد مثل الذهب؟

بالإضافة إلى ذلك، لم نشهد قط، ولا في أي دورة سوقية سابقة، مثل عزيمة وإصرار وتمسك مخزنين البيتكوين على المدى الطويل في هذه الدورة الهابطة. فحتى مع انخفاض السعر الحالي، لم تتحرك ٦٦٪ من عملات البيتكوين المخزنة من محافظها خلال أكثر من عام، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.

Bitcoin Graph 4

يذكرنا هذا الأمر بالتراجع الذي شهدناه في الأعوام بين ٢٠١٧-٢٠١٩، حيث انخفض سعر البيتكوين من ما يقارب من ٢٠,٠٠٠ دولار إلى ٣,٠٠٠ دولار. خلال هذه الفترة، لم يبع ٨٦٪ ممن امتلكوا البيتكوين عند سعر ١٧,٠٠٠  دولار. هذا ما شجع مدير صندوق التحوط الملياردير ستانلي دروكنميلر على القول بأن البيتكوين "عملة ذات عرض محدود" وأن "٨٦٪ من أصحابها متعصبون لها". في حين أن وصفه في حد ذاته قد يكون متطرفاً قليلاً، إلا أن هذه الإحصاءات تبشر بالخير لنمو البيتكوين واعتمادها على المدى الطويل.

وبينما نعتقد أن تقلبات البيتكوين مؤلمة، إلا أن أساساتها والتوقعات طويلة المدى تعوضنا عن كل هذا.

نختم هذه الرسالة وكلنا أمل في أنها ستوافيكم بمنظورنا للسوق وتضعكم في سياق الأحداث التي شهدناها. لعلكم تتساءلون الآن: هل ستستمر الأسعار في الانخفاض؟ الإجابة على المدى القصير هي ربما، لاسيّما وأن التضخم في الولايات المتحدة لا يزال في أوّج ارتفاعه لأعلى مستوى له منذ ٤٠ عاماً، وعلماً بأن ٥٠٪ من المحتفظين في البيتكوين لا يزالون محققين أرباحاً على استثمارهم. 

كما أنه من المتوقع أن يستمر الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة، ولكن على المدى الطويل، لا زلنا نؤمن إيماناً راسخاً بأن مستقبل البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية قوي ومشرق. الشيء الجيد في الدورات هي أنها، كما يوحي الاسم، تتعاقب، لذا في النهاية، سوف تمر بنا كسحابة صيف عابرة.

السؤال الآن هو: ماذا عسانا نفعل الآن؟ بالنسبة لنا نحن الذين ذاقوا الأمريَّن في الدورات السابقة، فإننا نواصل استثماراتنا كالمعتاد منذ سنوات؛ نشتري البيتكوين حسب استراتيجية متوسط التكلفة بالدولار بشكل دوريّ وبغض النظر عن سعرها في السوق. لقد ساعدتنا هذه الاستراتيجية في الابتعاد عن التداول العاطفي واتخاذ قرارات عقلانية وعلى النوم مطمئنين في الليل.

نترككم مع القول المأثور في عالم العملات الرقمية: "ركز على الوقت في السوق وليس على توقيت السوق".

دمتم بخير،

مؤسسا منصة كوين مينا،

طلال الطبّاع ودينا سمعان

ملاحظة: نوصيكم باتخاذ قرارات استثمارية مسؤولة ومبنية على علم ومعرفة. نأمل أن تساعدك هذه الرسالة على القيام بذلك.


شارك المقال عبر:
مدونة المؤسسين

استثمر اليوم في مستقبل المال مع كوين مينا

مقالات ذات صلة